آخر الأخبار

خطوة في الإتجاه الصحيح والمزيد مطلوب للجم جنون أسعار العقارات!

كما تعلمون أن  أسواق العقارات في كندا قد إلتهبت في السنتين الماضيتين بشكل جنوني وغير مسبوق لتعمق الألم والوجع الذي شعرت به شريحة كبيرة من المجتمع وسط مرحلة الوباء، وبالتأكيد لذلك اسباب عديدة منها ما هو معلوم ومنها ما هو غير معلوم ومنها ما يخضع للسلوكيات البشرية غير المنضبطة التي يعمل أصحابها على إقتناص الفرص لكي تزيد من غناهم بغض النظر عن ما قد يتسبب به ذلك من أزمات كبيرة سواء على المستوى العام أو على مستوى المجتمع أو الفرد.

هذا بدون شك أدى إلى تصاعد حالة القلق والتوتر لدى هذه الشريحة المجتمعية الكبيرة في ظل حالة الإبتزاز التي تم ممارستها بشكل أناني قبيح الفكر من قبل العديد من المستثمرين أو حتى البائعين لبيوتهم،  وهذا ما كان سيتسبب بأزمة كادت أن وشيكة وعميقة حيث أنها أطلت برأسها بلا شك.

لذلك أعلنت حكومة الحزب التقدمي المحافظ في أونتاريو برئاسة دوغ فورد  عن فرض ضريبة على المستثمرين الأجانب بقيمة 20%، حيث أن هذا التعديل على القانون يندرج في إطار خطة عملها المتدحرجة بشأن الإسكان.

حيث إرتفعت الضريبة المفروضة على المستثمرين الأجانب الذين يشترون عقارات في مقاطعة أونتاريو من 15% إلى 20%.

هذا وسيتم فرض هذه الضريبة على المشترين الأجانب في كلّ أونتاريو،  حيث لا تقتصر، كما في السابق، على المنطقة المعروفة بحدوة الحصان الذهبية الكبرى التي تضمّ منطقة تورونتو الكبرى (GTA) وعدة مدن مجاورة والتي يقيم فيها نحو ثلثيْ سكان المقاطعة.

أيضاً ، كما تعلمون أن هذا التعديل يستهدف "الأجانب والشركات الأجنبية والوكلاء الخاضعين للضريبة" الذين يشترون العقارات في أونتاريو، كما ذكر بيان حكومة أنتاريو كبرى المقاطعات الكندية من حيث عدد السكان وحجم الاقتصاد.

الجدير ذكره أيضاً أن هذا الإجراء من المفترض أن يؤدي إلى رفع معدل الضريبة إلى 20% وتطبيقه على مستوى المقاطعة، وبالتالي إلى تعزيز الجهود المبذولة لردع المستثمرين غير المقيمين لوقفهم عن المضاربة في سوق العقارات في أونتاريو مما سيُيَسِّر لسكان أونتاريو ممن يرغبون بشراء منزلهم الأول تملّك العقارات.

هذا الأمر بلا شك سيخلق حالة من التوازن ومن الممكن جدا أن يعيد الأسعار إلى طبيعتها،  بحيث تصبح في متناول اليد للكثيرين من راغبي شراء البيوت ممن هم من الطبقة المتوسطة من جهة، ومن جهة أخرى سيكشف هذا الأمر حجم الخلل الذي تسبب به هذا الإنفلات العقاري الذي حصل طوال السنتين الماضيتين تجاه إفساح المجال أمام العبث المتمرد على ثقافة المجتمع العقارية.

 اليوم حكومة أونتاريو تعيد الأمل من جديد حتى لو كان هذا القرار من وجهة نظر الكثيرين أ لا يعدو سوى قرار سياسي لخدمة المرحلة الإنتخابية ولن يكون له أي تأثير جوهري وحقيقي مستقبلاً على جنون سوق العقارات الذي على ما يبدو كاد أن يخرج عن السيطرة بسبب هيجان المستثمرين من جهة والنقص الحاد في عدد الوحدات السكنية المتوفرة من جهة أخرى.

لكن في تقديري أن مؤشر إنسحاب العديد من طلبات شراء البيوت الجديدة يُعد بحد ذاته مؤشراً على أن سوق العقارات لم يعد يستغفل المواطن ويغزو فكره ليطوعه ويجعله مستسلما أمام متطلبات هذا السوق المجنون والمتمرد، بل أصبح هناك لدى راغبي شراء المنزل الأول رغبة وقدرة على التريث في مواجهة هذا الإبتزاز الإقتصادي الرخيص الذي خرج عن الأخلاقيات ودخل نفق الجشع والطمع تحت مبررات واهية منها غلاء أسعار مواد البناء أو إرتفاع أجور العاملين وعدم وفرتهم أو عدم وفرة أراضي البناء.

إن هذه الشائعات المصطنعة والمعلومات الضعيفة لا تهدف إلا إلى ترهيب المواطن الراغب بشراء منزله الأول أو تحديث وضعية منزله الذي يقطن فيه ليحصل على منزل يتناسب مع التغيير الطبيعي في وضعية أسرته،  ولم تكن لتخرج إلا من الفئة المنتفعة من بقاء الوضع على ما هو عليه حتى يصل لمرحة الإنفجار في الأسعار ليصل لحالة عجز تام لديى المواطن الكادح عن القدرة على شراء منزل ليبقى الأمر محصوراً في أيدي المستثمرين الأجانب الذين زحفوا فجأة وبدون مقدمات للإستيلاء على هذا السوق الحيوي،  وبذلك تمتلئ جيوبهم على حساب آمال وتطلعات هؤلاء الكادحين.

إن سوق العقارات اليوم لا يحتاج فقط إلى فرض ضرائب على المستثمرين الأجانب، ولكن أيضاً يحتاج  للعمل الجاد على لجم كل أساليب الإحتيال التي قد تلتف على مثل هذا القرار المهم ، والعمل على توفير أراضٍ تخص فقط أصحاب الرغبة بشراء بيتهم الأول أو توفير كل ما يدعمهم من تسهيلات لكي يحصلوا على ذلك ، هذا بالتوازي مع وضع قيود واضحة وصارمة على من يرغبون بشراء البيوت بغرض الإستثمار الضار وليس الحميد، بما يضمن عدم إفساح المجال أمام هؤلاء للتلاعب والإتفاق مع مستثمرين أجانب، بأسعار الإيجارات أو البيع بما هو أكثر بكثير من ما تحتمله القوة الشرائية في السوق والمواطن العادي الذي يمثل العمود الفقري لإستقرار الحالة المجتمعية.

إن كثير من الأمور التي صاحبت هذا الغلاء المجنون  في سوق العقارات خلال المرحلة الخطيرة جداً من الوباء والتي أفرزت حالة غير مسبوقة من التضخم، لم تكن أخلاقية بالمطلق،  وكانت تحتاج لعملية ضبط وإعادة توجيه حيث أن آثارها السلبية لم تظهر بعد، ولكنها كانت على وشك أن تحطم وتدمر البنية المجتمعية برمتها عندما يغيب الأمل لدى الفرد.

إن اليوم إتخذت حكومة أونتاريو أولى الخطوات اللازمة والصحيحة لوقف هذا الزحف المجنون الذي خلق حالة من الهوس وعدم التوازن في هذا السوق حتى باتت السمة المسيطرة عليه هي الصراع بين العديد من الفئات العاملة في هذا السوق والذين وجدوا أنفسهم أيضاً ضعفاء أمام تحديات معقدة  أصبحت تهدد إستمرارهم في مهنتهم.

لذلك فإنني أميل للآراء التي تتحدث عن أن هناك تصحيحاً للأسعار قادما لا محالة، وما يتحدث به العديد من الخبراء بأن مثل هذه الإجراءات لن تؤثر على الأسعار أو تصححها، هو مجرد هذيان وأمنيات ويصب في خانة المنفعة الذاتية والأمنيات البائسة فقط ، لذلك لا داعي لحالة الهلع والخوف ، وعلى المواطنين الكادحين التكاتف سوياً بموقف موحد لمواجهة مثل هذا الجنون لا الخضوع له وذلك من خلال الإمتناع عن اللهاث وراء شراء البيوت بأسعار مجنونة، كما هو مطروح  في الوقت الحالي،  وذلك لمساعدة الحكومة في لجم حالة جنون الأسعار وإعادتها لحالتها الطبيعية.

هنا لا يسعني إلا أن أشد على أيادي حكومة مقاطعة أونتاريو من جهة وعلى أيادى الحكومة الفيدرالية من جهة أخرى وعلى أيادي كل الإعلاميين الذين يتحلون بحس المسؤولية الذين سلطوا الضوء على مثل هذا الموضوع ومخاطره على الأجيال الشابة وخريجي الجامعات، وأدعوهم للإستمرار في تسليط الضوء على هذه الأمر  وأخذ المزيد من الخطوات الهادفة والكاشفة لمخاطر إستمرار هذا الوضع غير الصحي،  وذلك من اجل محاصرة هذا الجنون في سوق العقارات المنفلت، ومن أجل الحفاظ على حق الفرد والمجتمع وأجيال طامحة لا زالت تعيش الأمل بالعيش بمستقبل آمن بدون أن يثقل كاهلهم مثل هذه الأعباء المرعبة والتي تهدد بلا شك إستقرار الفرد والمجتمع.

 إذاً ، يجب عدم الخوف والقلق من التحديات الناجمة عن هذا الجنون العقاري، والذي يعرقل مسيرة الإبداع لدى الشباب الذين يمثلون أحد أهم ركائز الإستقرار والتنمية والرخاء والإزدهار ولكن يجب أن تبقى المبادرات والإجراءات الرادعة موجودة حتى يعود السوق العقاري لحالته الطبيعية.