كندا ما تزال بخير وهي كذلك !

لا زالت إحتجاجات الشاحنات ضد تفويض التطعيمات تتفاعل  وعلى يبدو أن هناك إصرار على إستكمالها من بعض المجموعات المشاركة فيها  والداعمة لها، وخاصة فيما يتعلق بالإحتجاجات المتمركزة في العاصمة الكندية أوتاوا. 

لكن كما تعلمون أن هناك وصف قانوني لهذه الإحتجاجات بأنها غير قانونية ولكنها كانت مؤثرة ، وبالرغم من تأثيرها السلبي الذي دفع عمدة مدينة أوتاوا العاصمة الكندية جيم واتسن بالإعلان عن حالة الطوارئ في المدينة لأول مرة في تاريخ المدينة في مثل هذه الحالات الإستثنائية ، كما دفعت رئيس وزراء أونتاريو دوغ فورد للإعلان أيضاً عن حالة الطوارئ في المقاطعة وكلاهما إتخذا مثل هذا القرار لمواجهة التحديات الناجمة عن هذه الإحتجاجات وما ذهبت إليه من محاولات لشل حالة الإقتصاد وبالتالي التأثير سلباً على حالة الإستقرار القائمة خاصة ماشهدناه خلال الأيام الماضية من خلال إغلاق الجسور ما بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية.

مع ذلك فإن هناك حقيقة قائمة بأننا لم نشهد أي حالة قمع أو صدام ما بين الشرطة والمواطنين المحتجين كما لم نشهد إعتداءات عنيفة على المؤسسات الرسمية على سبيل المثال أو عمليات نهب وتخريب للشركات والمحلات التجارية كما حصل في بلدان أخرى، وعندما تدخل القضاء لحسم المشكلة كان هناك شبه إلتزام كامل بغض النظر عن ما هو موجود من بعض بؤر الإحتجاج التي ضعف تأثيرها أمام تصاعد الموقف القضائي والشعبي والرسمي الرافض لما صدر عنها وما ذهبت إليه وما نجم عنها من تاثير سلبي مجتمعياً وإقتصادياً .

لذلك إن الحكمة التي تعاطت  بها القيادات الكندية المسؤولة على جميع المستويات فيدرالية واقليمية ومحلية وبرلمانية وأمنية مع هذا التحدي منذ بدايته تستحق الثناء حتى لو كانت بطيئة كما يظنها البعض .

نعم لربما كانت تحتاج لقرارات أكثر شجاعة وجرأة من خلال فتح باب الحوار المباشر مع كل الأطراف المعنية لمحاصرة هذه الإحتجاجات وعدم منحها الفرصة للتوسع والتمدد أكثر وأكثر بالتوازي مع منح الصلاحيات لقوات الشرطة لإتخاذ زمام المبادرة بحفظ الأمن والنظام، وبالتالي السيطرة عليها قبل أن تخرج عن السيطرة ويتم إستغلالها من أطراف معادية للبلد وإستقراره.

ومع ذلك أجد أن الفرصة لا زالت مواتية لإتخاذ خطوات متقدمة وملموسة تعتمد لغة الحوار  الهادف والهادئ والبناء والإحتواء نهجاً  حتى لو كان ذلك من خلال تقديم بعض التنازلات المنطقية بعيداً عن التمترس وراء وجهات النظر المتصلبة التي لا تفيد أحد، وبذلك سيكسب الجميع  بما فيها كندا أولاً وفوق أي إعتبار آخر، وغير ذلك   لربما سيكون الخاسر فيها في النهاية البلد والمواطنين الذين تضرروا كثيراً من مثل هذه الإحتجاجات التي لا زالت مستمرة وتحاول تطوير أساليبها الإحتجاجية بالرغم من صدور قرار محكمة بعدم قانونيتها وإعلان حالة الطورائ على مستوى العاصمة الكندية ومقاطعة أونتاريو أيضاً.

هذا بلا شك يأخذنا لزاوية أخرى تبرز أهمية تحكيم العقل ، وفهم حقيقة أن التطعيمات عملت فرق كبير في تخفيض عدد الحالات الخطرة وحتى عدد الوفيات ، لذلك لابد من الإيمان بأهمية ذلك،  كما كان لها أثر أيجابي بلا شك حتى  لو لم يلمسه البعض أو حتى لو راود البعض الآخر شكوكاً مشروعة حول أهمية هذه التطعيمات وفعاليتها.

بالتوازي مع ذلك لا أحد يستطيع أن ينكر أن ما قامت به الحكومة الفيدرالية والحكومات الإقليمية والبلديات لتقديم كل وسائل الدعم والحماية للمواطنين طوال فترة الوباء كان يمثل عملاً أكثر من رائع نتج عن جهود جبارة وتضحيات كبيرة لا يمكن تجاهلها أو إنكارها.

بالمقابل هناك حقيقة تقول بأننا لم نشهد ضغوطاً أو حالات إجبار للحصول على التطعيم مع تفهم أنه كان  هناك متطلبات لربما يفهمها البعض بأنها كانت ضاغطة على مثل هذه الشريحة المحتجة على التطعيمات بشكل عام وكان لابد من تفهمها والتعامل معها بإنفتاح وحكمة أكبر بعيداً عن التشنج ولغة التحدي بين جميع الأطراف ، حيث أن سرعة إنتشار الوباء وسرعة إنتشار المتحورات عنه كان يحتاج صرامة وقرارات كبيرة وصعبة حتى لو كانت مؤلمة ولا تعجب البعض.

في النهاية، في تقديري أننا بحاجة لفهم بعضنا البعض والإبتعاد كل البعد عن تقليد الآخرين في إحتجاجاتهم في أماكن أخرى والتي كان كثير منها فوضاوية وهمجية ولا تفيد أحد،  بل بالعكس تعمق الفجوة المجتمعية وتمس بهيبة الديمقراطية التي تمثل نتاج مفخرة إنسانية لابد من التباهي بها بدلاً من العمل على تخريبها أو القضاء عليها.

وعوضاً عن ذلك يجب أن نبحث في كيفية الإستثمار في طاقاتنا وطاقات أبنائنا وفي تطوير ما يجعل بلدنا العظيم هذا أكثر تقدماً ورخاءً وإزدهاراً بكل مكوناته الحيوية واللوجستية والبنية التحتية التي تحتاج الكثير من العمل لمواكبة التطور الهائل الذي يحصل في كثير من دول العالم،  ومستشفياته التي باتت تحتاج الكثير من الجهد والتعاون وفهم الواجب للقضاء على البيروقراطية التي تنهشها . 

هذا عوضاً عن مؤسساته التعليمية  التي باتت تواجه تحدياً كبيراً نتيجة تحديات الوباء ، وغير ذلك الكثير الذي يحتاج التركيز والجهد والعمل والمثابرة حتى يصبح هناك طوفان من المبدعين لا فيضان من مكالمات المخربين!.

لذلك أجد أن كندا بخير رغم  كل السلبيات التي نجمت عن هذه السحابة العابرة التي يجب أن تحمل معها دروساً مهمة لتقوية الحالة الداخلية أكثر بدلاً من هشاشتها وإنقسامها بالشكل الذي نراه ، فهي بخير بأبنائها وبخير بمسؤوليها وبخير بديمراطيتها وبخير بأجهزتها التي تسهر على أمن بلدها وستبقى بإذن الله كندا بخير على الدوام.