آخر الأخبار

القضية الفلسطينية، حراك سياسي وجراح عميقة وتضامن غير مسبوق

قبل أيام شهدت الساحة الإسرائيلية تشكيل حكومة جديدة تتألف من مزيج من اليمين واليسار الإسرائيلي بعد أن شهدنا مؤخراً حرباً غير مسبوقة في قسوتها على قطاع غزة، وهي التي حملت معها تعاطفاً وتضامناً غير مسبوق.
من ذلك نستشف أننا على أبواب متغيرات جديدة في تلك المنطقة، حيث تشهد الساحة الإسرائيلية فترة سياسية مليئة بالتحديات وبالمقابل هذا أعاد للقضية الفلسطينية مكانتها الطبيعية وجعلها تتصدر اهتمامات العالم من جديد ليس لأنها فقط قضية إنسانية كما يريد أن يصورها الإحتلال، وإنما لأنها قضية عادلة مست الضمير الإنساني ولامست عقول البشر بشكل عميق.
هذا بلا شك شاهدناه جلياً وواضحاً في المواقف الرسمية، والمسيرات الشعبية التي عمت جميع أنحاء المعمورة تضامناً مع معاناة الشعب الفلسطيني في غزة، ورفضاً  للطريقة العدوانية الإحتلالية غير المبررة وغير المسبوقة بالتعاطي مع المدنيين الفلسطينيين في تلك البقعة المحاصرة من الإحتلال وأعوانه بطريقة تتنافى مع القانون الدولي والإنساني ، وهي المظلومة التي تكالبت عليها المصالح الإقليمية والدولية المتقاطعة من أجل تركيعها وتطويعها لتقبل بمعادلة غير عادلة.
أيضاَ هذا يأخذنا لأن نفهم معنى التضامن وأسسه الإنسانية أولاً حتى نعرف الدافع الذي جعل الملايين في العالم يقفون ضد الظلم وضد العنف وضد الإحتلال بشكل عام، وهو الذي يتنافى وجوده مع أهم أسس العدالة الإنسانية والقانونية.
حيث أن التضامن هو الاتحاد والإلتفاف حول الضحية من أجل عدم تركها لوحدها ، وهو سلوك إنساني عظيم يتمثل في تخفيف آلام ومعاناة الناس بغض النظر عن دينهم وثقافتهم ليجسدوا موقفاً موحداً رافضاً للظلم وداعماً للعدالة.
 إن التضامن لا يعرف حدوداً ولا يكتفي بتقديم المساعدة للآخرين عند الحاجة،  بل يستمد التضامن قواعده من التعاليم الإنسانية والدوافع العاطفية النقية والمواثيق والقوانين الدولية، ومن الشعور الداخلي في كل إنسان سويّ سليم يؤمن بأن الإنسان مخلوق ضعيف يحتاج في مرحلة ما إلى مساعدة الآخر، وهي قيمة إنسانية تضمن استقرار المجتمعات وتقدّمها.
نعم إن التضامن هو مسؤوليّة تقع على عاتق الأفراد والجماعات كلٌّ حسب قدرته وحسب موقعه ودوره، والتخلّي عن التضامن مع الضحية إنما هو تخلٍّ عن روح الإنسانية، وهناك بعض المجتمعات التي تقتصر في تضامنها على من هُو في محيطها ، بينما يعتبر آخرون أنّ التضامن يجب أن يكون بينه وبين كلّ من هو بحاجة له من خارج مجتمعه وعلى اختلاف مع دينه واهتماماته السياسية الأُخرى، فتراهم يبحثون عن المحتاجين من مختلف أنحاء العالم ليُقدّموا لهم كُل ما في وُسعهم لمساعدتهم. 
كما أن التضامن هو اللبنة الأساسية في المجتمع الإنساني والقوة الدافعة لعجلة التاريخ، فالانحياز للظالم والظلم هو عصبية لا تحمل بالضرورة شكلاً بدائياً أو تقوم على صلات الدم وشركة الدين ووحدة الثقافة ،  لا بل هو تعريف مُهم ويُبيّن لنا أنّ حتى  العصبية تجاه التضامن هي جانب سامي تسمو به الروح ، وترتقي به النفس ، وهو إيجابي يحُثّ الإنسان على ضرورة تقديم العون لغيره.
نعم هذا ما شاهدناه خلال الفترة الأخيرة من إندماج إنساني لا يعرف حدود ولا تقيده الثقافة والدين، لكي تسير كل الخطى من أجل التضامن مع الضحية والمظلوم ، فكانت هناك لوحة فسيفسائية جميلة، هويتها إنسانية بحتة ووجهتها رفض الظلم ورفض العنف أي كان مصدره.
هنا أصبح الأمل موجوداً وبذلك تراخت دوائر القيود وانتفضت الهمم وصدحت الأصوات منادية بأن حياة الإنسان هي أغلى ما تمتلكه الأرض، ولذلك لابد من ترسيخ العدالة وحمايتها وتمهيد الطريق السوي لتطبيقها وليس التعامل معها بازداوجية مدمرة.
لذلك وجدنا خطى دولية محمودة لحقن الدماء وسمعنا أصواتاً عالية من أجل صون حياة الإنسان ، وبدأت منابر الدنيا تتحدث من جديد عن شعب كادت أن تضيع حقوقه، لأن صناع القرار ممن يقودون قضيته هم مجموعة من المنتفعين الوصوليين الذين تاجروا بالقضية على مدار عقود، ولم يقدموا لها وللشعب الفلسطيني ما يستحق من جهد وعرق وانتماء، وخطاب يحاكي العقول، مما جعلها فريسة يتغول عليها الاحتلال كلما أراد وكيفما أراد في تناقض واضح وصارخ مع كل المواثيق والقوانين الدولية.
هذا فتح الباب مجدداً لحراكات دولية واعية وساعية لضبط العلاقة السياسية والأمنية في المنطقة وما يترتب عليها من ضمانات  تعيد إحياء القضية الفلسطينية من جديد على أساس حل الدولتين.
هنا نستطيع القول أن السياسة الهادئة والانحياز للعدالة بحكمة كبيرة هما العاملين الأساسين اللذين أنهيا عنفاً مجنوناً كاد أن يصبح إقليميا ولربما عالمياً.
هذا يجعلنا نتوقف جلياً أمام العنفوان الشعبي والتعاون الرسمي في كل دول العالم الرافض للظلم والعدوان والمنحاز للعدالة والذي كان له بالغ الأثر في تصويب البوصلة حتى تصبح تسير في قناتها العقلانية ولا تنحرف في طريق الجنون والعنف والعدوانية لتحصد المزيد من الأرواح البريئة خلال حرب شرسة وغير عادلة وغير مرغوب بها وكان بالإمكان تلاشيها إن توفرت الحكمة وطبقت العدالة. 
إنا ما يعانيه الشعب الفلسطيني من آلام وجراح كبيرة خاصة في غزة كان يحتاج حتماً إلى حكمة وخطوات صارمة وتضامن شعبي غير مسبوق ليدعم قناعات السياسين من الحكماء بعد أن مرّ العالم بفترة سياسة مجنونة  غير متزنة كادت أن تطيح بكل القيم الإنسانية وضوابط العلاقات الدولية لصالح التطرف والإقصاء والإستحواذ بدون وجه حق، مما كا ساهم في خلق حالة عدائية عميقة قد يصعب علاجها وهذا سيكون تحدياً كبيراً بلا شك أمام مستقبل الأجيال القادمة.
شكرأ لكل الحكماء الشجعان الذين سجلوا موقفاً إنسانياً ومسؤولاً غير مسبوق من أجل الحفاظ على صناعة الأمل بأن غداً يحمل معه الأفضل لتلك الشعوب وكل شعوب العالم بعد هذه التحديات التي واجهتهم خلال السنوات القليلة الماضية.